شركة "دوالينا" للتصنيع الزراعي - بصمة نجاح

شركة "دوالينا" للتصنيع الزراعي، اسم قد لا يعرفه الكثيرون، لكنه يعبّر عن الطموح والمثابرة والقدرة على مواجهة الضائقة المالية والتراجع الاقتصادي، وأكثر من ذلك، هو حلم أربع جمعيات تعاونية التقت بالفكرة والهدف وقامت بتوحيد جهودها تحت هذا المسمى.

شركة ليست ككلّ الشركات، إنها شركة صغيرة ذات أهداف نبيلة، بأصول مالية محدودة، لا تسعى للربح، تختص بتصنيع منتجات العنب في أكبر المحافظات الفلسطينية في جنوب الضفة الغربية وأشهرها بهذا المنتج محافظة الخليل البالغ تعدادها نحو مليون نسمة.

الشركة هي عبارة عن أربع جمعيّات تعاونية: الجمعية التعاونية للتوفير والتسليف وجمعية دورا للتصنيع الزراعي وجمعية دورا للزراعات المرويّة والمحميّة، وجمعية التسويق الزراعي، حيث توحّدوا على نفس الفكرة، وهي فكرة إنشاء مصنع نموذجي بمنطقة جنوب الضفة الغربية لتصنيع الدبس والملبن والزبيب والعصير الخاص بالعنب حسب المواصفات العالمية.

فكّر القائمون على الشركة بتنفيذ هذا المشروع لخدمة السيّدات بالدرجة الأولى، وخدمة الشباب والشابات العاطلين عن العمل بعدما درسوا المنطقة التي يقطنون بها، ولامسوا حاجات السوق الفلسطيني لمنتجات العنب المختلفة، التي تتفرد فيها محافظة الخليل.

تقول أروى العطاونة: "لا شيء يشبه العنب الخليلي، فهو منتج يتربع على عرش الفواكه في فلسطين".
وتضيف أنها عندما فكرت جمعيتها بالدخول في شراكة مع جمعيات أخرى لتأسيس الشركة، درسوا السوق جيداً وجعلوا خدمة توفير منتجات العنب هي الخدمة الأساسية، بالإضافة الى تحقيق حلم عشرات الشابات والشباب بالعمل.

أروى العطاونة (46 عاماً) امرأة لديها استعداد دائم للأعمال التجارية والتعامل مع الناس. شقّت طريق نجاحها من بدايات متواضعة، وتغلّبت على الصعوبات والعوائق الشخصية الهائلة، لتصبح واحدة من المدراء التنفيذيين لجمعية التوفير والتسليف، وهي جمعية تعنى بشؤون النساء وتمكينهن اقتصاديًّا.

العطاونة، وهي أمّ لأربعة أبناء، حصلت على جائزة أوكسفام الدولية في التمكين الاقتصادي للنساء، كافحت للعمل على تعزيز سياسة الادّخار لنساء المحافظة، كما ناضلت في طريقها إلى صعود سلّم الشركات، فأسّست بالتعاون مع عضوات أخريات في الجمعية التي تنتسب إليها، جمعية التوفير والتسليف، شركتين، الأولى باسم "دوالينا" وتختص بتصنيع منتجات العنب وتعبئة وتغليف ورق العنب وتصديره، والثانية باسم "شهد العنب" وتختص بتسويق العنب الطازج وتخزينه.

من جانبها، اعتبرت مديرة اتحاد الجمعيات التعاونية للتوفير والتسليف، رندة عبد ربّه، أن فرع الجمعية في الخليل، شريك أساسي ومهم في شركة "دوالينا" التي تأسّست منذ ثلاث سنوات، لا سيّما أن أهداف الشركة تتقاطع مع أهداف الجمعية، خصوصا بتعزيز دور الفئات المهمشة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، مستندة بذلك إلى قوانين ومبادئ وأخلاقيات العمل التعاوني القائمة على الإدارة الذاتية والديمقراطية والمساواة والعدالة والتضامن، والذي يؤكد على المبدأ السابع من مبادئ العمل التعاوني "التعاون بين التعاونيات"، إلى جانب الهدف المتمثل بإيجاد مصادر دخل لأسر أعضاء وعضوات الجمعيات، بهدف تحسين المستوى المعيشي من خلال المشاريع الصغيرة المدرّة للدخل التي تموّلها الجمعيات، وأيضا المساهمة الفاعلة في تطوير وتعزيز دور الحركة التعاونية الفلسطينية داخل المجتمع الفلسطيني بما يضمن تحقيق أهدافه التنموية المرجوة.

وقالت عبد ربه: "إن تجربة العمل التعاوني الناجح في أي مكان تعتبر حافزاً ودافعاً كبيراً للإنجاز والتفوق على العقبات مهما كانت، وهذه التجارب يكون لها وقعٌ أكبر عندما يتعلق الأمر ليس بالنجاح فحسب، بل بمساعدة الأسرة ورفعها اقتصادياً وعدم تعريضها للعوز والحاجة".

ويشكل مشروع شركة "دوالينا" للتصنيع الزراعي، المموّل من مشروع كومبيت الأمريكي، ومؤسسة أوكسفام العالمية، بالشراكة مع الإغاثة الزراعية، والجمعيات المنضوية تحت اسم "دوالينا" بقيمة اجمالية بلغت نحو 500 ألف دولار، وهي أحد المشاريع الصغيرة في فلسطين، والذي تمثّل قصة نجاح وتحتاج للدعم والمساندة والتمويل، لا سيّما وأنها شكلت نافذة لأكثر من 50 شابًّا وشابّة للانضمام لسوق العمل، كما وتشكّل أيضا بصمة إيجابية ساهمت ولا تزال تساهم في انتشال عشرات الأسر من الفقر.

يقول حسام القواسمي، رئيس الجمعية التعاونية للتسويق والتصنيع الزراعي، وهي احدى الجمعيات الشريكة في "دوالينا": "عند تأسيس الشركة، واجهنا تحديات كبيرة في بادئ الأمر، وتم التعاون مع مؤسسات مختلفة لتحقيق الهدف، وبعد عدة لقاءات وورشات عمل وجلسات عصف ذهني لاحتياجات المشروع، استمرت ما يقارب العامين، خرجنا بتصور لهذا المشروع الريادي والتنموي، وقامت مؤسسة أوكسفام، من خلال شركة بيسكو، بتصميم المصنع وخط الإنتاج ووضع مواصفات للمعدات والأجهزة، وتم حساب تكلفة تقديرية لخط الانتاج والمعدات".

وأضافت هدى شديد، رئيسة مجلس إدارة جمعية دورا للتصنيع الغذائي، وهي إحدى الجمعيات المساهمة في الشركة: "إن قصة نجاح الشركة عبر هذا الائتلاف من الجمعيات هو مؤشر جيد على الرغبة في العمل التعاوني الذي من شأنه أن يحقق التنمية الاقتصادية، ويحدّ من البطالة، ويساهم في ترسيخ ثقافة العمل والبناء والمثابرة وزيادة الإنتاج وتشجيع قيام مشاريع صغيرة، لتصبح جزءاً هامّاً من مكونات الاقتصاد الوطني الذي أصبحت فيه المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة تشكل ما نسبته 90% من مكوّناته".

واعتبرت شديد، أنّ المجتمع الفلسطيني بحاجة لجمعيات ومؤسسات مستعدة لتحمل المخاطر والتحلّي بالشجاعة، تتولّى القيادة وتتغلب على الشدائد، وهو أمر ضروري ومُلحّ لمواجهة التهديدات التي تعصف بهذا المجتمع، في ظل التحديات سياسية واقتصادية.

ومن خلال السيرة الذاتية للعاملات في شركة "دوالينا" للتصنيع الزراعي، يمكن رؤية القصص الشخصية المدهشة لهن، وهنّ يساعدن فيها أسرهن على تجاوز المحن بعد أن عملن بأجر يومي قدره 20 دولارا.