فلسطينية تتحدى الجدار

سميرة صالح خليف من قرية عزون، نموذج واحد من آلاف النماذج لفلسطينيات وفلسطينيين يقفون سدًّا منيعًا في وجه مخططات التوسع الصهيونية العنصرية.

حين نتحدث عن الأصالة والصمود والمقاومة، والتوحد مع الأرض وصنع الحضارة، فإننا نتحدث عن أناس حقيقيّين موجودين في بلادنا، يعيشون هناك حيث معركة البقاء تدور في كل لحظة وثانية... بالقرب من المستوطنات، وعلى جانبي جدار العزل والفصل العنصري.

السيدة سميرة خليف، فلسطينية من أم برازيلية، ولدت وترعرعت في البرازيل، وحملت جنسية ذلك البلد، إلا أن جاذبية وطنها الأم فلسطين كانت، بالنسبة إليها، أشدّ وأقوى من رغد العيش في البرازيل، الأمر الذي كانت ترجمته العملية، موافقتها على الزواج من عامل فلسطيني شاب، من قرية عزون في محافظة قلقيلية، لتعود معه إلى عزون حيث يعمل ويكدّ في سوق العمل الإسرائيلي.

وقد سارت حياتهم هانئة وأصبحت أمّ لستة أولاد وبنات، إلى أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية أواخر العام 2000.
عندها وجد زوج السيدة سميرة نفسه بدون عمل، وبدون مصدر رزق يؤمّن له قوت عياله، وازدادت مصاعب العائلة، بسبب سياسة العقوبات الجماعيّة التي مارستها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني، وإغلاقها سوق العمل بوجه مئات آلاف العمال الفلسطينيين أملاً بتجويع الشعب وإجباره على الرضوخ لإملاءات الاحتلال.

عندها، تحركت السيدة سميرة بقوة ونشاط، وقررت العمل إلى جانب زوجها، إيمانا منها بأهمية دور المرأة في كل مناحي الحياة. وبالرغم من كل الصعوبات الاقتصادية والسياسية، وجدت سميرة شعاع أمل لمساعدتها هي وعائلتها على الصمود من خلال انتسابها لجمعية التوفير والتسليف في محافظة قلقيلية، أملًا منها بتحقيق غايتها والحصول على قرض مالي تبدأ به مسيرتها بإقامة مشروع زراعي يساعدها على تحسين مستوى دخل أسرتها.

وبعد انتسابها للجمعية، وتنفيذ كل الالتزامات التي تفرضها اللوائح والنظم، تقدمت السيدة سميرة بطلب قرض بمبلغ 750 دينار أردني لإقامة بيت بلاستيكي لأغراض الزراعة، وكان ذلك في بداية العام 2004، وما أن اكتمل إنشاء البيت البلاستيكي ونضجت المزروعات فيه، إلا وغول جدار الفصل العنصري يصل إلى أراضي بلدتها عزون، وكانت الكارثة حين أصبح البيت البلاستيكي الذي أقامته السيدة سميرة خلف الجدار، الأمر الذي شكّل مصيبة كبرى للعائلة، حيث كانت كل آمالهم معقودة عليه لإنقاذهم من الفقر والعوز.

لكن هذه العائلة لم تستسلم، وبدأت تخوض معركة جبّارة ضد المحتلّين، وأصرت العائلة، بعناد كبير، على الوصول إلى البيت البلاستيكي، وبعد كفاح طويل ومرير وإصرار شديد، سمح المحتلون للسيدة سميرة وزوجها بالوصول إلى المنطقة خلف الجدار، حيث أملاكهم والبيت البلاستيكي. فقامت العائلة بترميم شبكة مياه الري التي دمّرتها جرافات الاحتلال بسرعة فائقة، وإعادة ترتيب الغطاء البلاستيكي، وقدمت العناية الكاملة للمزروعات إلى أن نضجت.

عندها واجهت مشكلة نقل صناديق الخضار من المزرعة إلى السوق ببلدة عزون عبر البوابات، حبث لا يسمح لهم المحتلون بإدخال وسيلة نقل إلى المناطق داخل الجدار، لكن عزيمتهم لم تكل وتحمّلوا مزيدا من المشاق، وصارت هذه المرأة تحمل على رأسها صناديق الخضار لتوصلها إلى البوابة بالرغم من كل الصعوبات.

ومع الأيام، تعوّدت السيدة سميرة على هذا النمط من الحياة، وعلى تحدي جنود الاحتلال، وصار الجنود يعرفونها بالاسم، ويستعدون عند قدومها كل مرة لمعركة، كلامية أحيانا وباللطمات أحيان أخرى. وأجبرتهم أخيرا على القبول بتنقلها اليومي عبر البوابة، لتتابع مزرعتها وتعتاش من الدخل الذي تحققه من بيع محاصيلها.

ولم تكتف بذلك، بل حافظت على تطوير وضعها وعائلتها حيث حصلت على قرض جديد لتستثمره في أرض أخرى خارج الجدار، مع محافظتها لغاية الآن على مشروعها الأول، وهي تعتبر من النساء الرائدات المناضلات اللواتي لن يستسلمن لممارسات الاحتلال.